السبت 22 نوفمبر 2025 - 22:41
لماذا وُصفت السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بأنّها «سيّدة نساء العالمين»؟

وكالة الحوزة - قال حجّة الإسلام مظفّريّ: نقل المرحوم السيّد ابن طاووس (رحمة اللّه عليه) في المجلّد الأوّل من كتابه "الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف (ص262)" ، عن كتابَي "صحيح البخاريّ" و"صحيح مسلم"، وهما من أصحّ الكتب عند أهل السنّة، روايةً عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) يصف فيها فاطمة (سلام اللّه عليها) بأنّها بضعةٌ منه، حيث قال: «فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي».

وكالة أنباء الحوزة - أشار حجّة الإسلام علي محمّد مظفّريّ، بمناسبة الأيّام الفاطميّة، إلى ضرورة إقامة العزاء على مصائب بنت رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله)، وإحياء المعارف والشعائر الفاطميّة في أوساط المجتمع، واصفًا الوجود النورانيّ للسيّدة الزهراء (سلام اللّه عليها) بأنّها الحلقة الواصلة بين الرسالة والإمامة.

السيّدة فاطمة الزهراء (سلام اللّه عليها) نفس رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله)

صرح هذا الباحث الحوزوي قائلاً: «إن الله تعالى يقدم نبيه الخاتم (صلى الله عليه وآله) في الآية 21 من سورة الأحزاب أسوة حسنة للعالمين، حيث يقول: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾. ثم أشار إلى أن السيدة الزهراء (سلام الله عليها) من أهم مصاديق هذه الأسوة، مستدلاً على ذلك باستشهادين:

الأول: أنها من مصاديق آية التطهير في سورة الأحزاب أيضاً، وهي قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ (الآية 33)، وقد أجمع المفسرون من الفريقين على ذلك.

الثاني: ما أورده أحمد بن حنبل، من كبار علماء أهل السنة، في الجزء السادس من مسنده، وكذلك الثعلبي، من كبار مفسري أهل السنة، نقلاً عن أبي سعيد الخدري، عن الرسول (صلى الله عليه وآله) أنه قال في شأن هذه الآية: «نُزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي خَمْسَةٍ: فِيَّ وَفِي عَلِيٍّ وَفِي حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَفَاطِمَةَ».

وأضاف هذا الأستاذ في الحوزة العلميّة في السياق ذاته: نقل المرحوم السيّد ابن طاووس (رحمة اللّه عليه) في المجلّد الأوّل من كتابه "الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف (ص262)" ، عن كتابَي "صحيح البخاريّ" و"صحيح مسلم"، وهما من أصحّ الكتب عند أهل السنّة، روايةً أخرى عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) يصف فيها فاطمة (سلام اللّه عليها) بأنّها بضعةٌ منه، حيث قال: «فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي».كما أورد الحاكم النيسابوريّ أيضًا، وهو من كبار علماء أهل السنّة، في كتابه "المستدرك على الصحيحين" عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) في وصف الصدّيقة الشهيدة (سلام اللّه عليها): «إِنَّمَا فَاطِمَةُ شِجْنَةٌ مِنِّي يَقْبِضُنِي مَا يَقْبِضُهَا وَيَبْسُطُنِي مَا يَبْسُطُهَا».

وبيّن حجّة الإسلام مظفّريّ مستندًا إلى ما نقله الشيخ الصدوق (رحمة اللّه عليه) في كتابه "معاني الأخبار" أنّ النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله) عرّف لأمير المؤمنين (عليه السلام) ركنين وجوديّين؛ حيث روى جابر بن عبد اللّه (رحمة اللّه عليه) أنّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) خاطب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قبل شهادته بثلاثة أيامٍ قائلًا: «يَا أَبَا الرَّيْحَانَتَيْنِ أُوصِيكَ بِرَيْحَانَتَيَّ مِنَ الدُّنْيَا فَعَنْ قَلِيلٍ يَنْهَدُّ رُكْنَاك»، أي أنّك ستفقد أحد أركانك قريبًا. فبعد شهادة النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله)، قال عليّ (عليه السلام): «هَذَا أَحَدُ رُكْنَيَّ الَّذِي قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ». ثمّ جاء في تتمّة هذه الرواية أنّ وجود السيّدة الزهراء (سلام اللّه عليها) هو الركن الثاني لأمير المؤمنين (عليه السلام): «فَلَمَّا مَاتَتْ فَاطِمَةُ قَالَ عَلِيٌّ هَذَا الرُّكْنُ الثَّانِي الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ».

وتابع سماحته، مستشهدًا بالآية 61 من سورة آل عمران ﴿...تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ... ﴾، قائلًا: إنّ جميع مفسري الفريقين اتّفقوا، في قضيّة المباهلة مع نصارى نجران، على أنّ مصداق «أَنْفُسَنَا» في هذه الآية هو عليّ بن أبي طالب (عليه السلام). وبما أنّ السيّدة الزهراء (سلام اللّه عليها) هي بضعة الرسول (صلّى اللّه عليه وآله)، وطبقًا لما نقله ابن عبّاس عن النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله): «فَاطِمَةُ رُوحِي الَّتِي بَيْنَ جَنْبَي»، ولأنّها تُعدّ من الأركان الوجوديّة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، يمكن الاستدلال بأنّ الصدّيقة الطاهرة (سلام اللّه عليها) هي نفس رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله)، وأنّها «سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ».

بعض آثار إحياء الشعائر الفاطميّة في القرآن الكريم

جلب المحبّة الإلهيّة

وقال هذا الخبير الدينيّ: في بيان ضرورة إقامة العزاء الفاطميّ وإحياء الشعائر الفاطميّة، يمكن الاستناد إلى آياتٍ كثيرةٍ من القرآن الكريم، منها الآية 148 من سورة النساء ﴿لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا﴾. وقد أورد المرحوم السيّد ابن طاووس (رحمة اللّه عليه) في كتابه "إقبال الأعمال" مقطعًا من زيارة السيّدة الزهراء (سلام اللّه عليها)، جاء فيه: «السَّلَامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الْمَظْلُومَةُ الْمَمْنُوعَةُ حَقَّهَا». وبشهادة التاريخ لدى الفريقين؛ الشيعة وأهل السنّة، فإنّ السيّدة الزهراء (سلام اللّه عليها) تعرّضت لظلم أعداء اللّه، وغُصبت «فدك» كحقٍّ مسلّمٍ لها على يد خلفاء الجور، واستُشهدت بضعة الرسول مظلومةً إثر هجومهم الوحشيّ على بيت الوحي. لذا، وبحكم الآية المباركة، التي تدلّ على أنّ اللّه يحبّ أن يُجهَر بظلامة المظلوم وأن يُكشَف خبث الظالمين للملأ، فتُعدّ إقامة الشعائر الفاطميّة من مصاديق ﴿الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ﴾ في حقّ أوّل مظلومةٍ في العالم السيّدة الزهراء (سلام اللّه عليها)، ويكون أوّل أثرٍ من آثار إقامة هذه الشعائر هو دخول المقيمين لها في زمرة أحبّاء اللّه».

أداء أجر رسالة النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله)

وصرّح حجّة الإسلام مظفّريّ، مستشهدًا بالآية 23 من سورة الشورى ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾، قائلًا: إنّ اللّه تعالى حصر أجر رسالة النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله) في مودّة أهل البيت (عليهم السلام) باستخدام أداة الحصر ﴿إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾. وقد نقل المرحوم السيّد ابن طاووس (رحمة اللّه عليه) في المجلّد الأوّل من كتابه "الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف (ص 13)"، عن كتاب مسند أحمد بن حنبل، وهو من كبار علماء أهل السنّة، في الإجابة عن سؤالٍ حول هويّة ذوي القربى الذين فُرضت مودّتهم على كلّ مسلمٍ: «مَنْ قَرَابَتُكَ الَّذِينَ وَجَبَتْ مَوَدَّتُهُمْ؟»، حيث أشار النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله) في جوابه إلى «آل محمّد» وحدّد مصداق ذوي القربى قائلًا: «عَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ وَابْنَاهُمَا». وعليه، فإنّ إقامة العزاء الفاطميّ وإحياء الشعائر الفاطميّة تعبيرٌ عن الامتنان لآل الكرم، ومصداقٌ عمليٌّ للمودّة في القربى، وأداءٌ لأجر رسالة النبيّ (صلّى اللّه عليه وآله) التي استمرّت 23 عامًا.

أداء حقّ النعم الإلهيّة يوم القيامة

وأردف هذا الخبير الديني قائلاً: إن سنة الله القطعية قائمة على أن شكر النعم الإلهية سبب لزيادتها ووفرتها، وأن كفران النعم الإلهية يوجب العذاب الإلهي الشديد، وذلك ما دلت عليه الآية 7 من سورة إبراهيم: ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ کَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾.

ثمّ بيّن أنّ الولاية لأهل البيت (عليهم السلام) من أعظم هذه النعم، مستدلاً على ذلك بما نقله العلامة المجلسي في المجلد 24 من كتابه "بحار الأنوار" عن أبي خالد الكابلي أنه عندما سأل الإمام الباقر (عليه السلام) عن النعم الواردة في الآية 8 من سورة التكاثر: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾، أجاب الإمام (عليه السلام): «نَحْنُ النَّعِيمُ الَّذِي تُسْأَلُونَ عَنْهُ».

وأضاف: ورد في الصفحة 606 من كتاب "تفسير فرات الكوفي" أنّ سديراً سأل الإمام الصادق (عليه السلام) عن مصداق النعيم في الآية ذاتها، فبيّن الإمام أنّ حبّ أمير المؤمنين وعترته الطاهرة (عليهم السلام) هو مصداق النعيم، قائلاً: "حُبُّ عَلِيٍّ وَعِتْرَتِهِ يَسْأَلُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَيْفَ كَانَ شُكْرُكُمْ لِي حِينَ أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ بِحُبِّ عَلِيٍّ وَعِتْرَتِهِ".

وختم حديثه بالقول: بناء على هذه الأدلة فإنّ إقامة العزاء على الصديقة الطاهرة (سلام الله عليها) تُعدَ شكراً عملياً وأداءً لحق النعم الإلهية يوم القيامة.

لمراجعة التقرير باللغة الفارسيّة يرجى الضغط هنا.

المحرر: أمين فتحي

المصدر: وكالة أنباء الحوزة

سمات

تعليقك

You are replying to: .
captcha